لماذا يقتلون أنفسهم ؟!

0

 


 

هذا هو طفل يلهو عند جدته. يقفز من شرفتها الأرضية ليؤجر عجلة. بعد ان لم تعد تقبله الحضانة لكبر سنه ولا تريد مدرسة قبوله.

يذكر اول يوم في الحضانة عندما بكي جهد البكاء ويذكر بعضا من ايامها عندما كان يقطف الورود لمدرساته ويبعث اليهم بأشرطة اغاني فيروز.

لا تكرس المدرسة شيء في النفوس آنذاك بقدر الخوف. العقاب كان ابعد شيء يريده كل واحد من الصبيان. يصل الأمر كثيرا الي حد الإرهاب عندما يشاهد الفصل تلميذ يتعرض للمد علي قدميه بطريقة وحشية هستيريّة العنف تجعله يبكي بأعلي صوته مكررا الإعتذار ولكن المدرس لا ولن يسمعه ابدا.

هذا طفل يذكر انه قبل كل ذلك أسعد لحظة لديه عندما يعود ابوه من العمل ليحتضنه وهو يصيح أبي اتي ابي اتي.

يلهو في الحديقة مع فتاة يحبها. وهو ابن الثامنة. ويذكر اسمها حتي الآن ولكن دون جدوي او فائدة.

بمرور الصفوف تكثر الأحقاد والعداوات من الزملاء. يستشعر حبا مطفيا تجاه زميلة لم يدم. فنتهي مرحلته الابتدائية كبداية وتمهيد للاضمحلال الآتي.

هذا شاب صغير. او هذا طفل كبير. اختار ما تشاء لا يوجد فرق عندي بينهما.

الإعدادية زمن البلوغ. وعليه تتسع رقعة الأفكار كفرق الهوة بين النهر والبحر.

البنات. البنات كل ما يشغلنا ويسري في خلايانا العصبية. هذا الشاب الطفل اراد ان يتعلم كيف يعامل البنات. فأراد النصح من شاب كبير في الكلية. فعلّمه قليل من أسلوب الكلام وفن الطريقة. فعمل ما عليه إلا ان صاحبنا الصغير اختار أن يزيف الأشياء ويخفي حقائقها فلم يفلح إلا في الكذب وحسب. فانقلبت اسحاره عليه وتاه في ظلمات نفسه وأروقة الوحوش البشرية. حتي لم يعد يعرف من هو او ماذا يحدث مثل ثور ينطح وحسب ولا يعلم هل سيصيب ويقتل ام لا.

فلو قلنا ان نسبة تشوه الإنسان التام في الابتدائية كانت ثلاثون بالمئة فرضا. – فلكل واحد نسبته – سنجد ان تشوه الإعدادية كان مؤثرا بفاعلية تصل الي اربعين بالمئة علي افضل تقدير. لتكون الإعدادية هي مرحلة الإعداد الأكبر للاضمحلال الآتي.

خلق الله الإنسان لعبادته تلك هي مهمته. والمهمة الثانوية هي اعمار الأرض والأسرة والعمل والكسب.

الثانوية كذلك مرحلة ثانوية جدا في حياة الشاب. ولكنهم يلقنوننا أنها ستحدد مصيرنا ومستقبلنا حتي الممات.

فمثلما جعل الإنسان مهمته الثانوية اساسية. مثلما جعلوا لنا الثانوية هي المهمة التي ستقرر ما ستصبح عليه.

فهذا الشاب كانت ثانويته كأنه فرغ من الحساب. وذلك باختصار لتطلق لعقلك كل العنان. وكانت الثانوية تمهيدا وترسيخا أكبر لما هو آتي من اضمحلال بنسبة تشوه وضمور تصل الي ثلاثين بالمئة عند اقل تقدير.

الآن لدينا انسان مشوه بنسبة مئة بالمئة تماما. فلنفعل به ما نريد.

الكلية هي استراحة كل محارب. وهي نفس الصعداء الذي يأخذه المرء اخيرا. اكثر هدوءا واقل صخبا وربما الأكثر ثقة. ولكن التشوه ليس كافيا. هل تعلم لماذا ؟. ربما اشوه لك اذنك كي يكون سمعك خفيفا فتركب سماعة. او اشوه لك ناظريك لتحتاج الي نظارة. ستظل تسمع وتري. نحن نريد الضمور المحض. لتكون الكلية باعثة علي ضمور ذلك الإنسان. تعبث اكثر في اي شيء تبقي لديه من اي شيء صحيح عرفه. لنضربه ببازوكا فيطير إلي اشلاء.

احدثت الكلية ضمورا بنسبة تقارب الثلاثين بالمئة وذلك يعد تعافيا بالرغم من كبر همجية تجارب الفترة وهي نسبة كبيرة في هذا العمر.

الآن هيا بنا نعمل ونجني المال ونتزوج ونغتني ونشتري بيتا ونسافر وننجب ثم نتزوج مرة اخري ونكر الكرة ونجوب العالم ونلهو ونعلب.

هيا بنا نعامل الجهلاء ونتعرض للإهانات وكثير من السفاهات مع ارذل خلق الله. فكان العمل صاحب اكبر نسبة ضمور عرفها ذلك الشاب. تقدر بخمسين بالمئة. فقد ثقته بنفسه. فقد احترام الناس له. اصبح مهمشا مثل الحرافيش. ليس له قيمة فعلية إلا أنه مستهلك. لم يدخر شيئا ليبني بيتا او يتزوج فتاة او يجوب العالم. لقد عمل سنوات طويلة حتي قارب علي الثلاثين ولم يكسب اي شيء. ليس من اختصاصنا الحكم عليه بأنه هو المذنب. ولكن هل نقدر فقط ألا نحكم عليه ؟. وكيف ونحن كلنا قضاة من مستوي رفيع ؟!. إنه ضل وحسب. نعم الأمر سهل هكذا. هذا شاب ضال. فلتطو الصفحة وتحكي لنا حكاية اخري أكثر إثارة وربما أقل كآبة.

لدينا الآن شاب مشوه انسانيا بنسبة مئة بالمئة ولديه ضمور كلي بنسبة ثمانين بالمئة. متبقي عشرون بالمئة حتي يتلف تماما وهذا هو ما يعيش عليه حتي الآن. عشرون بالمئة نسبة باقية من عقل ونفسية واتزان وطاقة. هو ليس بعمر الثمانين او حتي السبعين ولكن هو فقط مقارب للثلاثين. فهل نطلق عليه الرصاص ونرحمه ؟!. كلا. سندعه يقتل نفسه بالنهاية وذلك حتما سيحدث عنما تكتمل نسبة ضموره الي مئة بالمئة.

***

Post a Comment

0Comments
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
Post a Comment (0)

#buttons=(Accept !) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !